يُعدّ هذا الكتاب ضمن الاسهامات التي أقدمها للقارئ البريطاني خصوصًا، وللقارئ الغربي عمومًا، عن الفلسفية العربية الإسلامية. بيد أن هذا الكتاب يمتاز عما قدمته في مؤلفاتي السابقة، أنه يقتصر على مذهب واحد من دون سائر المذاهب الفكرية الأخرى، وهو مذهب المعتزلة. إن علماء المعتزلة أدوا دورًا خطرًا ومهمًا في القرن الهجري الثاني، وذلك بتنظيف العقل العربي من التشوهات والترهات العالقة فيه، وكان مبدأهم "العقل قبل النقل". فالعقل هو الفيصل تجاه النصوص المكتوبة والأقوال المسموعة، إذ التزموا بآيات التنزيه وأوّلوا آيات التشبيه بما يتفق مع التنزيه الإلهي في القرآن. وكذلك كان موقفهم العقلي تجاه الأحاديث النبوية، فما يقبله العقل يأخذون به، وما يتعارض ويتناقض معه يرفضوه ويتركوه. وبذلك، جابه المعتزلة بعض الفِرق الإسلامية وعلى رأسهم المحافظين التقليدين من أهل السُّنة، الذين يقدمون النقل على العقل. وعلى الرغم من أن المجابهة انتهت لصالح النهج التقليدي المحافظ، وتم تكفير المعتزلة ومحاربتهم، لكن وجودهم استمر محدودًا ضئيلًا منثورًا هنا وهناك. كما استمرت أفكارهم ونظرياتهم وبعض كتبهم محفوظة سواء في مكتبات الفرٍق الإسلامية التي تلاءمت معهم، مثل الزيدية في اليمن، أو في المؤلفات التي وضعها معارضيهم وأعدائهم، مثل الأشاعرة والحنابلة وغيرهم. إن العودة إلى المعتزلة بعد مضيء ألف سنة، وذلك في النهضة العربية الحديثة (1798-1939)، وإحياء فكرهم بما يتعلق بنظريات العقل والحرية والإرادة، إلا تأكيدًا على صحة موقفهم تجاه المشكلات التي تهم الإنسان في كل مكان وزمان من جهة، وإلى التأخر والتقهقر الذي أصاب العرب جراء تجميدهم إلى العقل من جهة أخرى.