إن عودة الأديب المعاصر لاستنطاق الفكر الأسطوري عودة حقيقية إلى منابع التجربة الإنسانية، فالأسطورة هي ذلك المأثور المقدس، والوحي الأولي، النموذج المثالي وبالتالي فهي الرافد الثقافي الذي يستمد منه الروائي والمبدع المعاصر مضامين جديدة ليرتقي بعمله الإبداعي، ومن هنا يمكن القول أن الأسطورة هي النواة التي انطلق من خلالها الأديب المعاصر ليجسد رؤياه الفكرية والروحية، ويعكس توجهاته في التعبير عن مختلف القضايا التي تمس الواقع وخبايا النفس الإنسانية، فهي بمثابة الباعث والعامل الأساسي لتوليد عملية الإبداع في الذات الكاتبة، لامتلاكها المقدرة المتميزة لملامسة وإيقاظ المراكز المبدعة، إذ تلامس خلجات الأديب الداخلية وأسراره ومكنوناته النفسية، وبواسطتها يجوب ممراته الداخلية، وبذلك يستطيع أن يفجر ما في الأساطير من قوة إيحائية تزيد العمل الأدبي ثراء وجمالية. ويعد النقد الأسطوري من أهم المناهج النقدية المهتمة بالأسطورة، حيث يلامس النص الأدبي فيبحث بداخله عن تجليات العناصر الأسطورية ويبرز أهم مطاوعاتها، ومن ثم يرصد الإشعاع الناتج عن توظيفها في النص الإبداعي سواء كان نثرا أو شعرا، ومنهج النقد الأسطوري لصاحبه بيار بيير برونييل يعد من أحدث المناهج النقدية على الساحة الغربية والعربية على حد السواء، ويعتمد على ثلاث خطوات إجرائية التجلي، المطاوعة، والإشعاع .