بدت الجزائر من خلال وصف الرحالين والزائرين لها دولة قوية مرهوبة الجانب من قبل سائر القوى الصليبية المحيطة بها، ولاسيما في عهد حكم رياس البحر، كما بدت من خلال وصفهم لها مدينة عامرة بالعلماء والفقهاء والخطباء والشعراء.. كثيرة العمران والبنيان وافرة الخيرات عامرة الأسواق، تكثر فيها المساجد والجوامع والرباطات والأضرحة والزوايا ودور العلم المختلفة. كما بدا فيها توقير أهل العلم على اختلاف درجاتهم العلمية من طلاب ومريدين، لأن مستوى علمائها لا يقل قدرا ومكانة ومستوى عما هو عليه في المشرق الإسلامي، ففيها من العلماء من تؤهله درجته العلمية لإجازة طلبته المتخرجين للتدريس والإفتاء والوعظ والإرشاد، وغيرها من العلوم.. وقد حصلت الجزائر على مستواها الحضاري العالي آنذاك من خلال تمكنها الدائم من كل أسباب التقدم من جهة، ومن تفاني أهلها ورجالها وحكامها في بذل المستحيل لتبقى (المحروسة) دار الجهاد، وذلك بما كانت تملكه من أسطول بحري عسكري ومدني قوي وفعال، اضطلع بدوره الجهادي المنوط به بإخلاص، كما اضطلع بدوره التجاري والاجتماعي والديني الحضاري. ففي الجانب العسكري الجهادي نجده قد اضطلع بدوره للدفاع عن الوجود الإسلامي المطارد والملاحق في حوض البحر الأبيض المتوسط، وذلك برده لكل الهجمات الصليبية المعادية التي استهدفت أساسا الساحل الشمالي لأفريقيا المسلمة، وذلك بعد القضاء على آخر معقل للعرب وللمسلمين في غرناطة.