ينطلق المسيري في مشروعه الحضاري من تفكيك وتقويض البنية النموذجية المعرفية للحضارة والغربية الحديثة، وإبراز تهافتاتها وتحيّزاتها الماديّة ضد كل ما هو ميتافيزيقي متعالي، وكشف أبعادها اللاإنسانية التي تحرص على اختزال الإنسان في بعده الواحدي وتنزع القداسة عنه شأنه في ذلك شأن سائر الظواهر الطبيعية.حيث يعتبر المسيري أن هذه الرؤية مسؤولة بشكل مباشر عن شيوع كثير من الفلسفات العدمية والنسبية المعادية لكل الأنساق المعرفية الثابتة والمفاهيم الخلقية القيمية الصلبة لحساب التقدّم المادّي اللانهائي، وهذا ما دفع بالمسيري إلى محاولة بلورة خطاب حداثي جديد مستوحى من رحم المنظومة الإسلامية، كما طرح نموذجا معرفيا بديلا ذا طبيعة توحيدية فضفاضة أعاد فيه الاعتبار للإنسان بوصفه كائنا مركبا مستقلا بذاته، متمايزا عن غيره من الموجودات، كما حدّد الأسس الأخلاقية الآمنة التي تحجزه عن السقوط في مستنقع المادّية وغَياباتها المظلمة، وتتيح له الارتقاء والسموّ الروحي المعنوي دون الحلول بالكائن الأعلى والاتحاد به.