يقول الإله الموجود أزلاً الباقي أبداً : أنا الخالق ،أنا القيوم ،أنا القابض أنا المعيد ،فهل لأي من المخلوقات ،ممن يؤمن بوجود الله ويسلم له أو لا يؤمن يوجوده وكفر به ،أن يعارض ذلك ،أو يملك الرد بمنطق مقنع ومقبول على قول الإله هذا ؟! لقد فعل الإله ما يقوله أمام كل المخلوقات جميعاً وأقواله تترى وأفعاله تتوالى في تجليات يعيشها ويتفاعل معها كل المخلوقات في الكون فهل من مدكر ؟!
الإله إذاً يتصرف في الكون بكل ما فيه وفق مشيئته وحسب إرادته لأنه خلقه وملكه وملكوته ،فمن يستطع من المخلوقات أن يمتنع عن الإله ،أو يعز عليه ،أو يعجزه ،أو يعترض على أقواله ،أو يتصدى لأفعاله ويتأبّى عليها ،فليفعل !! إنه الإله العظيم ،مَن يمكن أن يقول مثل أقواله من خلقه فليقل ! في قوله حق ما مضى وعلم الشهادة وحقيق ما هو آت ،ومن يستطع أن يفعل مثل أفعاله من خلقه فليفعل ؟! إنه المتفرد في أقواله وأفعاله ،أبلغ من كل من قال وفقه من خلقه وأبان ،وأقدر وأقوى من كافة مخلوقاته مجتمعة منذ بدء الخليقة وحتى آخر الزمان !!
وقد خلق الإله القيوم العظيم صنوفاً من المخلوقات لا يعلمها ولا يحصيها إلا هو منها الجامد الذي لا حياة فيه ،ومنها الحي عجيب الشأن ،ومنها الهائل العظيم شديد البأس ،ومنها الدقيق الرقيق الذي قد لا تراه العين ومنها الجلي الواضح للعيان ،ومنها الخفي الذي لا يراه الإنسان ،ومنها الذي لا عقل ولا إرادة لديه ومنها المتمتع بالعقل والإرادة معاً ،إلى غير ذلك من صنوف المخلوقات وضروب الموجودات .
إنه الإله العظيم ،تجمعت له صفات الألوهية ،التي يستيقنها من أراد وتفرض تجلياتها على من استعمى واستغبى ،وتُؤثِر أقواله الألباب بحقها وحقيقها وبيانها وتُعجِز أفعاله المخلوقات حية وجامدة ،عاقلة وغير عاقلة ،لتدحض فِرى وشبهات الكافرين والملحدين والمشركين والجاهلين والغلواء .
إنه الإله الذي له كل من في الوجود شاء أم أبى ،ويحيط بكل ما في الكون أراد أم لم يرد ،لا يُعييه حفظ الكون الهائل ،ولا يؤده ولا يُنقص من قدره العظيم كفر الكافر وعصيان العاصي ،ولا يضيف إلى خلقه ،ولا يُفرحه إيمان المؤمن وطاعة الطائع من كفر به وضل ضلالاً بعيداً هو قادر على هديه ،ومن ظل على كفره لن يُعجزه في الأرض ولا في السماء ،يردّ على الكافر بآياته وآلائه ،ويفحم المشرك والملحد بجبروته وقوته ووحدانيته من كفر به وأشرك وألحد سيأتيه يوم القيامة فرداً وعندها سيعاينه يقيناً ويحاججه لساناً وتنطق كل أعضائه وأبعاضه ،فيذوب خجلاً وحياءً وتذهب نفسه حسرات ،ويقول يا ليتني كنت تراباً !! ولكن هيهات هيهات !!
خلق من الأكوان ما لا نعلم ،وخلق فيها من المخلوقات ما لا يخطر ببالنا في كونه الإلهي القدسي يدبر شئون كافة الأكوان ،ويصرّف أمور مخلوقاتها من دقائق وجِسام ،لم يخبرنا إلا بما أراد ،واحتفظ لديه بعلم وأسرار كافة تفاصيل الأكوان خلقه دائم لا ينتهي ،وإيجاده مستمر لا يتوقف وجعله للخلق وتشكيله للموجودات لا يحتد ،فكل يوم هو في شأن إنه الإله !!
لقد كان الإنسان هو أحد تلك الصنوف التي أبدعها الخالق العظيم وكانت تفاعلات ذلك المخلوق الكثيفة والمتنوعة مع مفردات الكون حرية بالضبط والتوجيه بما يحافظ على صلاح الكون .
وبما يحفظ العلاقات والتفاعلات بين المخلوقات وبين عناصر الوجود عند وضعها المثالي ،ومن ثم كان التشريع الإلهي هو الحتمية الواجبة لمباشرة كل هذه المهام .
ومن ثم كانت إرادة الخالق العظيم ببث شِرعه إلى أهم مخلوق عاقل ذي إرادة في هذا الكون ألا وهو الإنسان ليتعرف على خالقه ورازقه وقيوم كونه ولتستوي وتستقيم علاقاته وتفاعلاته مع أقرانه ومع كافة المخلوقات ومع عناصر الوجود .
إن الشِرعة هي تجلي لإرادة ومشيئة الإله الخالق صاغها في أوامر ونواهي وفرائض وأحكام مجللة بحكم بليغة وسِيَر الماضين ومفاتح غيب المستقبل ألقاها على قوم من عباده أو صنف من مخلوقاته لتنظيم حياتهم وترتيب أفعالهم وضبط سلوكاتهم .
وكل الشِرع التي جاءت من عند الإله الخالق العظيم يجمع بينها قاسم مشترك فيما تحويه من قيم وفضائل وأحكام ،أول وأهم تلك القواسم المشتركة على الإطلاق هو الاعتقاد في أن الله واحد لا شريك له في ملكه ولانظير ولا ند ولا مثيل له في الكون ،ولا معقب ولا معاون له في أقواله وأفعاله .
إن هذا الاعتقاد هو أساس الوجود ،وهو المرتكز الذي يرتكز عليه الكون وبدونه لا وجود ولا كون ،ومن القواسم المشتركة كذلك بين شِرع الله لزوم الحفاظ على الكون على وضعية الصلاح .
وترتيب وجود وتفاعل المخلوقات لتتعايش في سلام مع عناصر الوجود وهو ما عرّفه الخالق بالحياة الطيبة .
وفي ذات الوقت ثمة جانب آخر في تلك الشِرع يتسم بالخصوصية ويتوافق مع تفاعلات حياة الأقوام الذين اختصهم الله بتلك الشِرع هكذا كانت وتيرة ودأب شِرع الله الخالق لمخلوقاته والتي نعرف منها الإنسان والجان والملائكة .
ولأنه الإله الخالق كانت شِرعه لمخلوقاته لا تأمر إلا بخير ومعروف وقيمة وفضيلة ،ولا تنهى إلا عن كل شر ومنكر ورذيلة ،وكانت تعرّف المخلوقات إلى خالقهم ،وترشدهم إليه إذا افتقدوا الرشد والهدى من تلقاء أنفسهم ،وكانت تضع من الشعائر والعبادات ما يصل المخلوقات بخالقهم ويوقفهم على أفعاله الخارقة وقدرته المطلقة ،فمن أفلح اعتصم بمعية خالقه .
ثم اصطفي الإله الخالق من خلقه من هو جدير بتبليغ تلك الشِرع إلى المخلوقات فكان اختياره للرسل والأنبياء وهم من جنس المخاطبين بتلك الشِرع ولو كانوا غير ذلك لما حدث تجانس بين الداعي حامل الشِرعة وبين المخاطبين بها ،ولما استقبل الأخيرون الشِرع واعتنقوا ما تحويه من مفردات ذات قيمة بالغة ولاستغربت المخلوقات المبلغين الدعاة ولاستحال التواصل فيما بينهم ،ومن ثم كان الرسل والأنبياء من أحسن الخلق خَلقاً وخُلُقاً وشكلاً لأنهم اختيار واصطفاء الخالق العظيم الذي تخولهم بعد اصطفائهم بالتأديب والإعداد والتأهيل ،لأنهم سوف يحملون أمانة أشفقت السماوات والأرض والجبال من حملها وتوصيلها إلى مخلوقات الله لقد حملت تلك الشِرع من القيم والمبادئ ما لا يختلف عليه أصحاب الفِطر السوية ،وما تهفو إليه أفئدة ذوي النهى من محفزات الإصلاح ومآثر الصلاح وعموم الخير والكمال والإحسان .
ثم تلقّى المخاطبون بشِرع الله عن الرسل والأنبياء تلك الشِرع ،وهم بكامل قواهم وقدراتهم العقلية والفكرية وبمطلق إراداتهم الحرة دون إكراه أو جبر أو قسر وكانت الإجابة بالعقل الواعي والإرادة الحرة فاعتنق هذه الشِرع واعتقدها من أحسن التفكير وأعرض عنها وتركها من أبى .
وبالرغم من أن كل الشِرع تدعو إلى التوحيد وتعتبره أساس وجودها إلا أن ثمة شِرعاً قد جاءت من أجل نشر يقينية التوحيد في العالم .
بما قد يتجاوز جنس الإنسان إلى أجناس أخرى من المخلوقات كالجن والطير وأجناس الحيوان على سبيل المثال وهذه الشِرع هي شِرع التوحيد الكبرى التي مثلت مرتكزات أساسية في الدعوة إلى التوحيد في جنبات الكون وقد جاءت جميعها في آخر الزمان .
منذ خلق الإنسان تواردت شِرع كثيرة نزلت على أقوام لتهديهم الى الإله الخالق وترشدهم إلى قيم ومثل ومبادئ الحياة الطيبة ،من هذه الشِرع ما نعرفه وبيّنه لنا الخالق العظيم .
ومنها ما لم يبينه لنا وبالرغم من أن الشِرع التي ذكرنا كانت تتمحور حول توحيد الإله خالق الكون ومالك الملك وقيوم السماوات والأرض إلا أنه كان ثمة شِرع فارقة لها تأثيرها العظيم في تاريخ البشر على الإطلاق .
لأنها جعلت أساس وجودها وهدفها النهائي هو التوحيد ،وجاءت بتشريع إلهي يؤسس لحياة طيبة اختارها الله لمن آمن به وأسلم له من عباده .
وقد جمع القرآن العظيم الذي هو كلام رب العالمين أنزله كآخر شِرعة جامعة ومتممة وخاتمة لكل شِرع التوحيد التي سبقتها .
جمع شِرع التوحيد الكبرى بادئاً بصحف إبراهيم التي جمعت أسس وأركان شِرعة الحنيفية السمحاء أساس الإسلام لله ومنطلق الإيمان به ومثنياً بألواح موسى التي جمعت التوراة وما جاءت به من نور وهدى لأسس الحياة الطيبة ومثلثاً بإنجيل عيسى الذي أكمل التوراة وسار على هديها وخاتماً بالقرآن الذي حوى شِرعة الإسلام الذي هو دين الله الخالص ولا يقبل من مؤمن سواه .
في هذا المؤلف نخوض رحلة علمية منهجية نتخوّل فيها شِرع التوحيد الكبرى المذكورة في القرآن العظيم بالدرس والتحليل ومقارنتها ببعضها وفق معايير محددة ليقر قلب من يؤمن بالله ويسلم له على أن كل شِرع التوحيد هي من لدنه وأن هدفها ومنهجها واحد ،وأن الإيمان بها جميعاً واجب ،وننطلق في هذه الرحلة عبر الفصول الستة التالية :
الفصل الأول : الله الواحد الأحد .
الفصل الثاني : الشِرع الإلهية .
الفصل الثالث : شِرعة الحنيفية السمحاء (صحف إبراهيم) .
الفصل الرابع : شِرعة التوراة (ألواح موسى) .
الفصل الخامس : شِرعة الإنجيل .
الفصل السادس : شِرعة القرآن .
الإله إذاً يتصرف في الكون بكل ما فيه وفق مشيئته وحسب إرادته لأنه خلقه وملكه وملكوته ،فمن يستطع من المخلوقات أن يمتنع عن الإله ،أو يعز عليه ،أو يعجزه ،أو يعترض على أقواله ،أو يتصدى لأفعاله ويتأبّى عليها ،فليفعل !! إنه الإله العظيم ،مَن يمكن أن يقول مثل أقواله من خلقه فليقل ! في قوله حق ما مضى وعلم الشهادة وحقيق ما هو آت ،ومن يستطع أن يفعل مثل أفعاله من خلقه فليفعل ؟! إنه المتفرد في أقواله وأفعاله ،أبلغ من كل من قال وفقه من خلقه وأبان ،وأقدر وأقوى من كافة مخلوقاته مجتمعة منذ بدء الخليقة وحتى آخر الزمان !!
وقد خلق الإله القيوم العظيم صنوفاً من المخلوقات لا يعلمها ولا يحصيها إلا هو منها الجامد الذي لا حياة فيه ،ومنها الحي عجيب الشأن ،ومنها الهائل العظيم شديد البأس ،ومنها الدقيق الرقيق الذي قد لا تراه العين ومنها الجلي الواضح للعيان ،ومنها الخفي الذي لا يراه الإنسان ،ومنها الذي لا عقل ولا إرادة لديه ومنها المتمتع بالعقل والإرادة معاً ،إلى غير ذلك من صنوف المخلوقات وضروب الموجودات .
إنه الإله العظيم ،تجمعت له صفات الألوهية ،التي يستيقنها من أراد وتفرض تجلياتها على من استعمى واستغبى ،وتُؤثِر أقواله الألباب بحقها وحقيقها وبيانها وتُعجِز أفعاله المخلوقات حية وجامدة ،عاقلة وغير عاقلة ،لتدحض فِرى وشبهات الكافرين والملحدين والمشركين والجاهلين والغلواء .
إنه الإله الذي له كل من في الوجود شاء أم أبى ،ويحيط بكل ما في الكون أراد أم لم يرد ،لا يُعييه حفظ الكون الهائل ،ولا يؤده ولا يُنقص من قدره العظيم كفر الكافر وعصيان العاصي ،ولا يضيف إلى خلقه ،ولا يُفرحه إيمان المؤمن وطاعة الطائع من كفر به وضل ضلالاً بعيداً هو قادر على هديه ،ومن ظل على كفره لن يُعجزه في الأرض ولا في السماء ،يردّ على الكافر بآياته وآلائه ،ويفحم المشرك والملحد بجبروته وقوته ووحدانيته من كفر به وأشرك وألحد سيأتيه يوم القيامة فرداً وعندها سيعاينه يقيناً ويحاججه لساناً وتنطق كل أعضائه وأبعاضه ،فيذوب خجلاً وحياءً وتذهب نفسه حسرات ،ويقول يا ليتني كنت تراباً !! ولكن هيهات هيهات !!
خلق من الأكوان ما لا نعلم ،وخلق فيها من المخلوقات ما لا يخطر ببالنا في كونه الإلهي القدسي يدبر شئون كافة الأكوان ،ويصرّف أمور مخلوقاتها من دقائق وجِسام ،لم يخبرنا إلا بما أراد ،واحتفظ لديه بعلم وأسرار كافة تفاصيل الأكوان خلقه دائم لا ينتهي ،وإيجاده مستمر لا يتوقف وجعله للخلق وتشكيله للموجودات لا يحتد ،فكل يوم هو في شأن إنه الإله !!
لقد كان الإنسان هو أحد تلك الصنوف التي أبدعها الخالق العظيم وكانت تفاعلات ذلك المخلوق الكثيفة والمتنوعة مع مفردات الكون حرية بالضبط والتوجيه بما يحافظ على صلاح الكون .
وبما يحفظ العلاقات والتفاعلات بين المخلوقات وبين عناصر الوجود عند وضعها المثالي ،ومن ثم كان التشريع الإلهي هو الحتمية الواجبة لمباشرة كل هذه المهام .
ومن ثم كانت إرادة الخالق العظيم ببث شِرعه إلى أهم مخلوق عاقل ذي إرادة في هذا الكون ألا وهو الإنسان ليتعرف على خالقه ورازقه وقيوم كونه ولتستوي وتستقيم علاقاته وتفاعلاته مع أقرانه ومع كافة المخلوقات ومع عناصر الوجود .
إن الشِرعة هي تجلي لإرادة ومشيئة الإله الخالق صاغها في أوامر ونواهي وفرائض وأحكام مجللة بحكم بليغة وسِيَر الماضين ومفاتح غيب المستقبل ألقاها على قوم من عباده أو صنف من مخلوقاته لتنظيم حياتهم وترتيب أفعالهم وضبط سلوكاتهم .
وكل الشِرع التي جاءت من عند الإله الخالق العظيم يجمع بينها قاسم مشترك فيما تحويه من قيم وفضائل وأحكام ،أول وأهم تلك القواسم المشتركة على الإطلاق هو الاعتقاد في أن الله واحد لا شريك له في ملكه ولانظير ولا ند ولا مثيل له في الكون ،ولا معقب ولا معاون له في أقواله وأفعاله .
إن هذا الاعتقاد هو أساس الوجود ،وهو المرتكز الذي يرتكز عليه الكون وبدونه لا وجود ولا كون ،ومن القواسم المشتركة كذلك بين شِرع الله لزوم الحفاظ على الكون على وضعية الصلاح .
وترتيب وجود وتفاعل المخلوقات لتتعايش في سلام مع عناصر الوجود وهو ما عرّفه الخالق بالحياة الطيبة .
وفي ذات الوقت ثمة جانب آخر في تلك الشِرع يتسم بالخصوصية ويتوافق مع تفاعلات حياة الأقوام الذين اختصهم الله بتلك الشِرع هكذا كانت وتيرة ودأب شِرع الله الخالق لمخلوقاته والتي نعرف منها الإنسان والجان والملائكة .
ولأنه الإله الخالق كانت شِرعه لمخلوقاته لا تأمر إلا بخير ومعروف وقيمة وفضيلة ،ولا تنهى إلا عن كل شر ومنكر ورذيلة ،وكانت تعرّف المخلوقات إلى خالقهم ،وترشدهم إليه إذا افتقدوا الرشد والهدى من تلقاء أنفسهم ،وكانت تضع من الشعائر والعبادات ما يصل المخلوقات بخالقهم ويوقفهم على أفعاله الخارقة وقدرته المطلقة ،فمن أفلح اعتصم بمعية خالقه .
ثم اصطفي الإله الخالق من خلقه من هو جدير بتبليغ تلك الشِرع إلى المخلوقات فكان اختياره للرسل والأنبياء وهم من جنس المخاطبين بتلك الشِرع ولو كانوا غير ذلك لما حدث تجانس بين الداعي حامل الشِرعة وبين المخاطبين بها ،ولما استقبل الأخيرون الشِرع واعتنقوا ما تحويه من مفردات ذات قيمة بالغة ولاستغربت المخلوقات المبلغين الدعاة ولاستحال التواصل فيما بينهم ،ومن ثم كان الرسل والأنبياء من أحسن الخلق خَلقاً وخُلُقاً وشكلاً لأنهم اختيار واصطفاء الخالق العظيم الذي تخولهم بعد اصطفائهم بالتأديب والإعداد والتأهيل ،لأنهم سوف يحملون أمانة أشفقت السماوات والأرض والجبال من حملها وتوصيلها إلى مخلوقات الله لقد حملت تلك الشِرع من القيم والمبادئ ما لا يختلف عليه أصحاب الفِطر السوية ،وما تهفو إليه أفئدة ذوي النهى من محفزات الإصلاح ومآثر الصلاح وعموم الخير والكمال والإحسان .
ثم تلقّى المخاطبون بشِرع الله عن الرسل والأنبياء تلك الشِرع ،وهم بكامل قواهم وقدراتهم العقلية والفكرية وبمطلق إراداتهم الحرة دون إكراه أو جبر أو قسر وكانت الإجابة بالعقل الواعي والإرادة الحرة فاعتنق هذه الشِرع واعتقدها من أحسن التفكير وأعرض عنها وتركها من أبى .
وبالرغم من أن كل الشِرع تدعو إلى التوحيد وتعتبره أساس وجودها إلا أن ثمة شِرعاً قد جاءت من أجل نشر يقينية التوحيد في العالم .
بما قد يتجاوز جنس الإنسان إلى أجناس أخرى من المخلوقات كالجن والطير وأجناس الحيوان على سبيل المثال وهذه الشِرع هي شِرع التوحيد الكبرى التي مثلت مرتكزات أساسية في الدعوة إلى التوحيد في جنبات الكون وقد جاءت جميعها في آخر الزمان .
منذ خلق الإنسان تواردت شِرع كثيرة نزلت على أقوام لتهديهم الى الإله الخالق وترشدهم إلى قيم ومثل ومبادئ الحياة الطيبة ،من هذه الشِرع ما نعرفه وبيّنه لنا الخالق العظيم .
ومنها ما لم يبينه لنا وبالرغم من أن الشِرع التي ذكرنا كانت تتمحور حول توحيد الإله خالق الكون ومالك الملك وقيوم السماوات والأرض إلا أنه كان ثمة شِرع فارقة لها تأثيرها العظيم في تاريخ البشر على الإطلاق .
لأنها جعلت أساس وجودها وهدفها النهائي هو التوحيد ،وجاءت بتشريع إلهي يؤسس لحياة طيبة اختارها الله لمن آمن به وأسلم له من عباده .
وقد جمع القرآن العظيم الذي هو كلام رب العالمين أنزله كآخر شِرعة جامعة ومتممة وخاتمة لكل شِرع التوحيد التي سبقتها .
جمع شِرع التوحيد الكبرى بادئاً بصحف إبراهيم التي جمعت أسس وأركان شِرعة الحنيفية السمحاء أساس الإسلام لله ومنطلق الإيمان به ومثنياً بألواح موسى التي جمعت التوراة وما جاءت به من نور وهدى لأسس الحياة الطيبة ومثلثاً بإنجيل عيسى الذي أكمل التوراة وسار على هديها وخاتماً بالقرآن الذي حوى شِرعة الإسلام الذي هو دين الله الخالص ولا يقبل من مؤمن سواه .
في هذا المؤلف نخوض رحلة علمية منهجية نتخوّل فيها شِرع التوحيد الكبرى المذكورة في القرآن العظيم بالدرس والتحليل ومقارنتها ببعضها وفق معايير محددة ليقر قلب من يؤمن بالله ويسلم له على أن كل شِرع التوحيد هي من لدنه وأن هدفها ومنهجها واحد ،وأن الإيمان بها جميعاً واجب ،وننطلق في هذه الرحلة عبر الفصول الستة التالية :
الفصل الأول : الله الواحد الأحد .
الفصل الثاني : الشِرع الإلهية .
الفصل الثالث : شِرعة الحنيفية السمحاء (صحف إبراهيم) .
الفصل الرابع : شِرعة التوراة (ألواح موسى) .
الفصل الخامس : شِرعة الإنجيل .
الفصل السادس : شِرعة القرآن .