العلم والأخلاق أثمن الثروات المعنوية التي يعتز بها الإنسان، هذه حقيقة لم يختلف المفكرون فيها أبدًا، غير أنه: أيُّهما أثمن وأفضل؟ هذه مسألة اختلف فيها المفكرون والكُتَّاب كثيرًا منذ الأزمنة القديمة إلى الآن. لقد قام فريق منهم يفضِّل الأخلاق على العلم، وراح فريق آخر يُفضِّل العلم على الأخلاق، وظهر فريق ثالث يستنكر المفاضلة بين العلم والأخلاق من أساسها، قائلًا إنهما توءمان لا ينفصلان، فلا مجال للمفاضلة بينهما أبدًا. واندفع جماعة من هذا الفريق إلى أبعد من ذلك، فقال: إن كلًّا من العلم والأخلاق يساعد الآخر، ويمهِّد له سُبل التكامل والارتقاء.ولعل أبرع الكلمات التي عبَّرت عن الرأي الأول، كانت تلك التي صدرت عن أعماق تفكير «باسكال» Pascal الشهير: «لو اجتمعت الأجسام الأرضية والأجرام السماوية كلها لَمَا ساوت أحقر فكرة من الأفكار. ولو اجتمعت الأفكار كلها مع تلك الأجسام والأجرام بأجمعها، لَمَا عادلت أصغر خلجة من خلجات العاطفة والحنان». وأما أبلغ الكلمات التي عبَّرت عن الرأي الثاني، فكانت صدرت من العالِم الطبيعي الشهير «كوفيه» Cuvier: «إن المعروف الذي يسديه الإنسان لبني نوعه يندثر سريعًا مهما كان عظيمًا، ولكن الحقيقة التي يتركها لهم تبقى على مدى الدهر، فلا تزول أبدًا.»