لم يكن الإسلام منذ انبعاثه وظهوره على الدين كله يترك أمراً من الأمور إلاّ وتولاّه بالتفصيل والتفسير إن لم يكن تفصيلاً فإجمالاً وإن لم يكن بنص قرآني صريح فبسنة نبوية فعلية أو قولية أو تقريرية ولم يأت الإسلام أبداً دين عبادة وشعيرة فقط بل كان دائماً دين شعيرة وشريعة ولم يكن الإسلام دين آخرة فقط بل كان دين الأولى أو الدنيا ولربما اهتم بالدنيا لأنها مزرعة الآخرة والمدخل الطبيعي إليها فإن كانت الدنيا خيراً فالآخرة خير وإن كانت الدنيا غير ذلك فالآخرة هي كذلك وكذا لم يأت الإسلام دين فكر وتدبر فقط أو عمل وفعل فقط بل كان دائماً دين الفكر والعمل .
لقد أفلح الآخرون عندما أدخلوا في روعنا ورسّخوا في ذهننا أننا نحن المسلمين نملك ديناً قيّماً ولكنه أحادى النظرة ينصرف كله إلى العبادة وإقامة الشعائر فإذا برح المسلم دار العبادة فهو شخص آخر وهكذا كانت المحصلة أن أصبح المسلم إنساناً ذا شخصيتين بينهما انفصام بيّن يعبد الله بشخصية ويعيش بأخرى وظل هذا حالنا منذ أن وهنت الدولة الإسلامية وتضعضعت في أواخر العصر العباسي الأول .
ولم نفق بعد من سُباتنا الذي طال إلا أنه بين الفينة والفينة يصحو البعض فيحاول أن يتدارك الأمر ويصحح ما أفسده الآخرون ولكن تلك الصحوات لم تكن تجدي في نفض كل الغبار المتراكم على الجوهر المكنون وظلت تمثل بارقات أمل على أن الأمة لم تستنفد كل طاقاتها ولم تيئس من الإعراب عن ذاتها والإعلان عن جوهرها ومكنونها .
ومنذ سنوات ليست بالطويلة انبرى بعض المخلصين من أبناء أمة الإسلام يُعمِلون الفكر ويقدحون زناد العقل ليسددوا للعالمين رسالة مفادها أننا أصحاب فكر وأرباب منهاج لكل مجال هو رائد ولكل مكان هو صالح ولكل زمان هو فالح وكان سعي هذا البعض مشكوراً ولكننا نعيش في عالم سيطر عليه الفكر الموضوع واختلط فيه الحابل بالنابل وكثر الخبيث .
والله تعالى يقول "قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون" (المائدة 100) .
وانهالت علينا نظريات وأفكار الغرب والشرق وكلاهما يتفنن في تزيين بضاعته وتحسين مخلّفات فكره وعقله .
ولكن الله يقول "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً" (الكهف 103 و104) وعشنا حائرين مذبذبين إلى هؤلاء تارة والى أولئك أخرى وظل هذا حالنا .
ولكي نفيق وننهض لابد من أن نضع الأمور في نصابها الصحيح فنحق الحق ونأخذ على أنفسنا كل مأخذ ونصوب كل خطأ وقعنا فيه فعندما اجتهدنا مسسنا أمهات المسائل مساً ولم نقدم ما يسمن ويغني من جوع لنرد على المرجفين ونشفي صدور قوم مؤمنين .
وعندما أبدعنا تناولنا كبريات القضايا تناولاً جزئياً حيث أفرطنا في تناول الجزئيات وفرّطنا في تناول الكليات فعجزنا عن تقديم نظرية متكاملة فيما يعرف "بالظاهرة السياسية في الإسلام" وكان واقع الحال كما يلي :
أولاً : كان عالم التوحيد أو عالم أصول الدين أو الفقيه يدخل إلى الظاهرة السياسية من مدخل توحيدي أو أصولي أو فقهي ويتناول جزئياتها ومفرداتها من منطلقات توحيدية أو أصولية أو فقهية .
فعزّ ذلك على أفهام الكثيرين وحيل بينه وبين الوصول إلى الألباب والنهى فتم تأويل ذلك بأن الإسلام لا يملك أدوات التعامل مع مثل هذه الظواهر العصرية .
ثانياً : وعندما شرع الباحث في الظاهرة السياسية في الخوض في جنبات الدين الإسلامي ليستنبط مفردات هذه الظاهرة ويلتقط جزئياتها من بين فرائض ذلك الدين لم يقدر له التوغل كثيراً لأنه غير مزود بملكات البحث ومقدرات الفهم .
فقفل معلناً أنه لم يجد مبتغاه فتم تخريج ذلك بأن الدين الإسلامي يخلو من مثل هذه الظواهر العصرية .
والحاصل أن علماء التوحيد وأصول الدين والفقيه لم يعوا ويستوعبوا حقيقة وكنه الظاهرة السياسية وكيفية تناولها وأدوات التعامل معها وتقديم الطرح الإسلامي بخصوصها في شكل نظرية متكاملة الأركان مستوية القواعد .
ومن الناحية الأخرى فالباحث المتخصص في الظاهرة السياسية لم يخبر طرق ومسالك التوصل إلى تلك الظاهرة في الإسلام ولم يفقه حقيقة المدلولات والمفاهيم .
وبتنا في حاجة إلى عالم يجمع بين فهم عميق للظاهرة السياسية دون ما انتماء مسبق وانحياز جاهز إلى نظريات موضوعة ومعتقدات مصنوعة وعلم راسخ بأصوليات العقيدة الإسلامية .
إننا الآن أمام تحد خطير لقد أعلنّا مراراً أننا نملك تحليلاً وافياً شافياً للظاهرة السياسية ينطلق من تراث فكري شامل عميق وأعلن الغرب أنه كذلك وأعلن الشرق نفس الإعلان وقدم كل من الغرب والشرق ما في جعبته من تحليل وتفسير للظاهرة السياسيـة .
وبقينا نحن لم نقدم إلا اجتهادات جزئية ينقصها التماسك وتفتقر إلى الاتساق بين أصالة الطرح ورصانة الفكر وبين معاصرة التناول ومواكبة أدوات التحليل للواقع المعاش .
في هذا المصنف نعكف على دراسة وتحليل الظاهرة السياسية في الإسلام نتناول الظاهرة في شكل بناء فكري متكامل يمهد بالقواعد والأصول ثم ينطلق إلى النظرية فيحكم صياغتها كما جاء في أصولها ومصادرها .
إن التعامل مع الظاهرة السياسية من خلال بناء فكري متكامل يجمع بين النظرية والتطبيق كما يحلو للبعض أن يردد ليتيح الفرصة أمام العالم لكي يطّلع على ما لدينا ويفاضل بين الثمين والغث .
من أين تستمد الظاهرة السياسية وجودها في الإسلام ؟ وما هي المصادر الأساسية والأصول الأولية للفكر السياسي الإسلامي هذه تساؤلات تطرح نفسها على كل من يحاول أن يخوض في غمار البحث عن الظاهرة السياسية والفكر السياسي في الإسلام .
وقبل الإجابة عن التساؤلين السابقين نجد المنطق يفرض علينا تساؤلاً آخر ،تبدو أهميته في كونه يحدد طبيعة المفاهيم ومدلولات المدركات المطروحة على بساط البحث في هذا الباب .
ومؤدى هذا التساؤل هل يتطابق مفهوم السياسة والحكم في الإسلام مع مفهوميهما في الفكر الموضوع وما من شك في أن التجانس بين المفاهيم يضمن سلامة التحليل والعكس صحيح .
ولكن كيف يتسنى لنا الولوج إلى الإسلام للبحث عن الظاهرة السياسية وفرز ما هو سياسي من ذلك الدين إن ذلك يتطلب عمليتين لا تخلوان من صعوبة وهما :
العملية الأولى : الارتقاء بالفكر المعاصر والخروج به من أزمته الراهنة وتحريره من ربقة الارتباط والاقتران بالأفكار الأخرى التي سيطرت عليه وكبلته حتى صار أسيراً لها ثم السمو به إلى مستوى التشريع الإسلامي للتمكن من فهمه واستيعابه والتعامل مع قضاياه وموضوعاته بتمكين واقتدار .
العملية الثانية : تجديد الفهم الكلي للعقائد والقيم والمفاهيم الإسلامية ومواءمة الفكر الإسلامي القديم مع الواقع المعاصر من خلال التوصل إلى حلقة وصل وتواصل بين ذلك الفكر والواقع وسوف نتناول الإسلام بوصفه مصدراً للظاهرة السياسية في سبعة فصول على النحو التالي :
الفصل الأول : الظاهرة السياسية في الفكر الموضوع .
الفصل الثاني : الظاهرة السياسية لدى الآخر.
الفصل الثالث : محنة العقل المسلم وضرورة إعادة تشكيله .
الفصل الرابع : الظاهرة السياسية في الإسلام .
الفصل الخامس : الارتقاء والمواءمة .
الفصل السادس : أصول السياسة والحكم في الإسلام .
الفصل السابع : تعصير الأصول والقواعد .
لقد أفلح الآخرون عندما أدخلوا في روعنا ورسّخوا في ذهننا أننا نحن المسلمين نملك ديناً قيّماً ولكنه أحادى النظرة ينصرف كله إلى العبادة وإقامة الشعائر فإذا برح المسلم دار العبادة فهو شخص آخر وهكذا كانت المحصلة أن أصبح المسلم إنساناً ذا شخصيتين بينهما انفصام بيّن يعبد الله بشخصية ويعيش بأخرى وظل هذا حالنا منذ أن وهنت الدولة الإسلامية وتضعضعت في أواخر العصر العباسي الأول .
ولم نفق بعد من سُباتنا الذي طال إلا أنه بين الفينة والفينة يصحو البعض فيحاول أن يتدارك الأمر ويصحح ما أفسده الآخرون ولكن تلك الصحوات لم تكن تجدي في نفض كل الغبار المتراكم على الجوهر المكنون وظلت تمثل بارقات أمل على أن الأمة لم تستنفد كل طاقاتها ولم تيئس من الإعراب عن ذاتها والإعلان عن جوهرها ومكنونها .
ومنذ سنوات ليست بالطويلة انبرى بعض المخلصين من أبناء أمة الإسلام يُعمِلون الفكر ويقدحون زناد العقل ليسددوا للعالمين رسالة مفادها أننا أصحاب فكر وأرباب منهاج لكل مجال هو رائد ولكل مكان هو صالح ولكل زمان هو فالح وكان سعي هذا البعض مشكوراً ولكننا نعيش في عالم سيطر عليه الفكر الموضوع واختلط فيه الحابل بالنابل وكثر الخبيث .
والله تعالى يقول "قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون" (المائدة 100) .
وانهالت علينا نظريات وأفكار الغرب والشرق وكلاهما يتفنن في تزيين بضاعته وتحسين مخلّفات فكره وعقله .
ولكن الله يقول "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً" (الكهف 103 و104) وعشنا حائرين مذبذبين إلى هؤلاء تارة والى أولئك أخرى وظل هذا حالنا .
ولكي نفيق وننهض لابد من أن نضع الأمور في نصابها الصحيح فنحق الحق ونأخذ على أنفسنا كل مأخذ ونصوب كل خطأ وقعنا فيه فعندما اجتهدنا مسسنا أمهات المسائل مساً ولم نقدم ما يسمن ويغني من جوع لنرد على المرجفين ونشفي صدور قوم مؤمنين .
وعندما أبدعنا تناولنا كبريات القضايا تناولاً جزئياً حيث أفرطنا في تناول الجزئيات وفرّطنا في تناول الكليات فعجزنا عن تقديم نظرية متكاملة فيما يعرف "بالظاهرة السياسية في الإسلام" وكان واقع الحال كما يلي :
أولاً : كان عالم التوحيد أو عالم أصول الدين أو الفقيه يدخل إلى الظاهرة السياسية من مدخل توحيدي أو أصولي أو فقهي ويتناول جزئياتها ومفرداتها من منطلقات توحيدية أو أصولية أو فقهية .
فعزّ ذلك على أفهام الكثيرين وحيل بينه وبين الوصول إلى الألباب والنهى فتم تأويل ذلك بأن الإسلام لا يملك أدوات التعامل مع مثل هذه الظواهر العصرية .
ثانياً : وعندما شرع الباحث في الظاهرة السياسية في الخوض في جنبات الدين الإسلامي ليستنبط مفردات هذه الظاهرة ويلتقط جزئياتها من بين فرائض ذلك الدين لم يقدر له التوغل كثيراً لأنه غير مزود بملكات البحث ومقدرات الفهم .
فقفل معلناً أنه لم يجد مبتغاه فتم تخريج ذلك بأن الدين الإسلامي يخلو من مثل هذه الظواهر العصرية .
والحاصل أن علماء التوحيد وأصول الدين والفقيه لم يعوا ويستوعبوا حقيقة وكنه الظاهرة السياسية وكيفية تناولها وأدوات التعامل معها وتقديم الطرح الإسلامي بخصوصها في شكل نظرية متكاملة الأركان مستوية القواعد .
ومن الناحية الأخرى فالباحث المتخصص في الظاهرة السياسية لم يخبر طرق ومسالك التوصل إلى تلك الظاهرة في الإسلام ولم يفقه حقيقة المدلولات والمفاهيم .
وبتنا في حاجة إلى عالم يجمع بين فهم عميق للظاهرة السياسية دون ما انتماء مسبق وانحياز جاهز إلى نظريات موضوعة ومعتقدات مصنوعة وعلم راسخ بأصوليات العقيدة الإسلامية .
إننا الآن أمام تحد خطير لقد أعلنّا مراراً أننا نملك تحليلاً وافياً شافياً للظاهرة السياسية ينطلق من تراث فكري شامل عميق وأعلن الغرب أنه كذلك وأعلن الشرق نفس الإعلان وقدم كل من الغرب والشرق ما في جعبته من تحليل وتفسير للظاهرة السياسيـة .
وبقينا نحن لم نقدم إلا اجتهادات جزئية ينقصها التماسك وتفتقر إلى الاتساق بين أصالة الطرح ورصانة الفكر وبين معاصرة التناول ومواكبة أدوات التحليل للواقع المعاش .
في هذا المصنف نعكف على دراسة وتحليل الظاهرة السياسية في الإسلام نتناول الظاهرة في شكل بناء فكري متكامل يمهد بالقواعد والأصول ثم ينطلق إلى النظرية فيحكم صياغتها كما جاء في أصولها ومصادرها .
إن التعامل مع الظاهرة السياسية من خلال بناء فكري متكامل يجمع بين النظرية والتطبيق كما يحلو للبعض أن يردد ليتيح الفرصة أمام العالم لكي يطّلع على ما لدينا ويفاضل بين الثمين والغث .
من أين تستمد الظاهرة السياسية وجودها في الإسلام ؟ وما هي المصادر الأساسية والأصول الأولية للفكر السياسي الإسلامي هذه تساؤلات تطرح نفسها على كل من يحاول أن يخوض في غمار البحث عن الظاهرة السياسية والفكر السياسي في الإسلام .
وقبل الإجابة عن التساؤلين السابقين نجد المنطق يفرض علينا تساؤلاً آخر ،تبدو أهميته في كونه يحدد طبيعة المفاهيم ومدلولات المدركات المطروحة على بساط البحث في هذا الباب .
ومؤدى هذا التساؤل هل يتطابق مفهوم السياسة والحكم في الإسلام مع مفهوميهما في الفكر الموضوع وما من شك في أن التجانس بين المفاهيم يضمن سلامة التحليل والعكس صحيح .
ولكن كيف يتسنى لنا الولوج إلى الإسلام للبحث عن الظاهرة السياسية وفرز ما هو سياسي من ذلك الدين إن ذلك يتطلب عمليتين لا تخلوان من صعوبة وهما :
العملية الأولى : الارتقاء بالفكر المعاصر والخروج به من أزمته الراهنة وتحريره من ربقة الارتباط والاقتران بالأفكار الأخرى التي سيطرت عليه وكبلته حتى صار أسيراً لها ثم السمو به إلى مستوى التشريع الإسلامي للتمكن من فهمه واستيعابه والتعامل مع قضاياه وموضوعاته بتمكين واقتدار .
العملية الثانية : تجديد الفهم الكلي للعقائد والقيم والمفاهيم الإسلامية ومواءمة الفكر الإسلامي القديم مع الواقع المعاصر من خلال التوصل إلى حلقة وصل وتواصل بين ذلك الفكر والواقع وسوف نتناول الإسلام بوصفه مصدراً للظاهرة السياسية في سبعة فصول على النحو التالي :
الفصل الأول : الظاهرة السياسية في الفكر الموضوع .
الفصل الثاني : الظاهرة السياسية لدى الآخر.
الفصل الثالث : محنة العقل المسلم وضرورة إعادة تشكيله .
الفصل الرابع : الظاهرة السياسية في الإسلام .
الفصل الخامس : الارتقاء والمواءمة .
الفصل السادس : أصول السياسة والحكم في الإسلام .
الفصل السابع : تعصير الأصول والقواعد .