كثيرًا ما حاول بعض الباحثين في شئون الإسلام على عهده الأول أن يصوروا العرب في غير صورتهم ذهابًا مع أهواء النفوس، وأن يستنتجوا استنتاجات ناقصة في أحكامهم على الرسول " صلى الله عليه وسلم"، ويغضوا من بعض أصحابه، وينحوا إنحاء شديدًا على المدنية الإسلامية، زاعمين أن العرب حتى في الإسلام لم يعملوا عملًا يُذكر في باب التمدين، وأنهم مقلِّدون في جميع أعمالهم ما زادوا على ما تعلموه من الروم والفرس من أساليب الحضارة. ولو صح ما قالوا لكانت قوانين فارس والروم صالحة للبقاء وافية بالغرض، ولما استطاع العرب أن ينزعوا سلطان تلك الأمتين العظميتين عن أجمل أصقاع الأرض، ويحكموها وينظموها على مثال مبتكر لم تكد تشهد البلاد مثله. إن الإسلام ابتكر وأبدع في الحرب والإدارة والسياسة كما اخترع وأبدع في العلم والتشريع وأسباب المدنية على نحو ما يتجلى في صفحات التاريخ الإسلامي.