مقولاتُ الكلام القديم الاعتقادية لا تورثُ الروحَ سكينتَها، ولا القلبَ طمأنينَته، ولا تكرّسُ التراحمَ والمحبّة، ولا ترى الإنسانَ المختلِف في معتقده مساويًا لغيره. لا ينظرُ الكلامُ القديم إلى الإنسانِ بما هو إنسان، بل ينظرُ إليه بما هو معتنقٌ لمقولات الفرقة الكلامية، ومَنْ لا يعتنقُها لا تصحُّ محبتُه، ولا يجوز الولاءُ له، بل تجبُ البراءةُ منه. يحتاجُ المسلمُ اليومَ لعلم الكلام الجديد كي يُشبعَ حاجته للمعنى الذي يمنحه الدين للحياة، ويتحرّرَ من الشعور بالتفوق على المختلِف، ويقبلَ المساواةَ في المجتمع الواحد على أساس إنسانية الإنسان. أدركتُ الحاجةَ الماسة لتأليف مقدمة تحدّد الإطارَ العام لهذا العلم، وتضع المعيارَ الذي يمكن اعتمادُه في تصنيف هوية المتكلم والكلام الجديد، وتوفر للباحثين خارطةَ طريقٍ ترسم المعالمَ الأساسية للكلام الجديد. اقترحتُ في هذا الكتاب معيارًا يمكن على أساسه أن نصنِّف مفكرًا بأنه "متكلمٌ جديد"، ويتمثل هذا المعيارُ في كيفية تعريف المتكلم للوحي، لأن طريقةَ فهم الوحي هي المفهوم المحوري الذي تتفرّعُ عنه مختلفُ المسائلِ الكلامية. إن كيفيةَ تعريف الوحي والنبوة والقرآن الكريم يتفرع عنها ويعود إليها كلُّ شيء في الدين، لا يبدأ تجديدُ فهم الدين إلا بإعادة تعريف هذه المفاهيم المحورية الثلاثة في سياق متطلبات الإنسان اليوم للمعنى الديني، واحتياجه لما يثري حياتَه الروحية والأخلاقية والجمالية.