لم تَكُن للعربِ في جاهليتهِم فلسفة بالمعنى الدقيق الَّذي يَدُلُّ عليهِ هذا المصطلح؛ ذلك أن هذه الأُمّة كانت في شِبه عُزلةٍ تامةٍ عن التيارِ العام للتفكيرِ الإنسانيّ في مُختلَفِ مظاهِرهِ، سواء أكان فلسفيًا أم عِلميًا. وليسَ بصحيحٍ، كما يَزعُمُ فريقٌ مِن مُؤرِّخِي الفلسفة، أنّ العرب لم يكونوا يميلونَ بطبيعتِهِم إلى البحثِ النَّظَريّ. فقد أكَّدَ بعض هؤلاء أنّ الفلسفة إنتاجٌ يُونَانيٌّ أو غَربيٌّ، وأن العقليَّة الساميَّة، أو الشرقيَّة بصفةٍ عامة، بعيدة عن التعمُّقِ في البحثِ والغوصِ وراء الحقائق والنظريّات العامة التي تُعَدُّ المادة الأولى في البحوث الفلسفيَّةِ. لكن هذا الزعم لا يستقيم مع ما يُقَرِّرُهُ تاريخ الفلسفةِ وما يتقبَّله العقل؛ فإنَّ التفكير الإنسانيّ واحد في كُلِّ مكانٍ، وهو ينتقل مِن حضارةٍ إلى أُخرَى، ويتشكَّلُ بصورٍ مُختلفة. ومِن الْمُسلَّمِ به أن الإغريق أنشأوا مذاهِبهم الفلسفيّة على أساس كثيرٍ مِن العناصر التي أخذوها عن الشعوب الشرقيّة مِن مِصرِيّينَ وكلدانيّينَ وغيرهم.