كانت قصيدة النثر أسعد الأجناس الأدبية وأكثرها حظا بالاستفادة من التطوراتُ الثقافية العالمية التي أحدثت طفراتٍ معرفية ملحوظة ، وكتب شعراء قصيدة النثر نصوصا تجريبية في الشكل والمضمون لا يمكن ان تكون تطويرا لإرهاصات عربية سبقتها، ناهيك عن أن تكون تطويرا لتجارب تجريبية في التراث العربي، بما أوجد نمطا جماليا حقق قطيعة جمالية مع الشعرية العربية السائدة، ليحقق وجودا شعريا خالصا ومستقلا وجديدا. ومن المؤكد أن قواعد التلقي للشعر العمودي تفشل في الإمساك بجوهر هذه التجربة، وكذلك فإن التقاليد النقدية التي أفادت النقاد في الغوص داخل تجربة الشعر الحر لم تعد كافية لفهم تجربة قصيدة النثر، ولأمرٍ ما أطلق عليها معاصروها "الحساسية الجديدة"، وهو أمر يجب أن توازيه طريقة في التلقي جديدةٌ تقدر على الإمساك بجوهر هذه التجربة الشعرية. هذا الكتاب قراءة نقدية في هذه التجربة الجمالية بعيدا عن الكليشيهات النقدية السائدة، تحاول الوصول إلى كنه التجربة الشعرية لشعراء قصيدة النثر من داخل عمق التجربة وليس بافتراض قواعد نقدية من خارجها، وذلك من خلال النظر في سبعة تجارب شعرية، تم اختيارها عمدا لما فيها من تجديد، ومجمل هذه التجارب يعطي بانوراما مشهدية لمسيرة قصيدة النثر في سياقها العربي.