أرادَ فؤاد أن يغتسل من نزيف المشاوير الضَّائعة والكلام المزيَّف وجداول المواعيد الأسبوعية فارغة المعنى، من ضجيج المقاهي واللقاءات وتَصَنُّع الفنَّانين والمثقَّفين المُقرِف، من أصحابه الذين شربوا من دماء بعضهم البعض حُبًّا وغيظًا، مُدمني الحياة ولصوص الكُتُب المَهَرَة، من أُمِّه وخوفها الخانق منه وعليه، ومشاجراتهما المتواتِرَة حول كل شيء، من "خُذ وهات" و"فينك يا عم و"تحت النظر" و"كلُّه بحسابه". أرادَ أن يترك وراءه المدينةَ الفاجرة وغواية الشوارع ونداءاتها الرخيصة على أرصفة البيع والشراء. الأغلال تشدُّه كل مرَّة إلى الفرحة الخاسرة، ولو توضَّأ بالنور ألفَ مَرَّة لَمَا وضع عنه أثر الأوزار والذنوب. فهل نسي ما قاله صديقه العجوز له، في حُلمهما السِّرِّي آخر مرَّة؟ "كما حطَّمتَ حياتَكَ هنا. في هذا الرُّكن الصغير، فقد حطَّمتَها في العالَم كله". هكذا؟! بلا أملٍ يا "كافافي"؟! نعم، وبلا يأسٍ يا أمير.