في مصنف الاقتصاد الإسلامي تناولنا أهم موضوعات الاقتصاد الإسلامي ولا شك في أهمية تلك الموضوعات لمسار البحث في هذا المؤلف فموضوعات الاقتصاد الإسلامي غاية في الأهمية بالنسبة إلى دراسة نموذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي .
حيث أن هذا النموذج مستل أو مستنبط من تلك الموضوعات فهو يرتبط بها ارتباط الجزء بالكل فالإنماء مفردة مهمة وجزئية حيوية في كيان الاقتصاد الإسلامي إذا لم تكن أهم جزئية في ذلك الكيان على الإطلاق .
يرتبط بما تقدم أن تجريد النموذج الإسلامي في الإنماء الاقتصادي من إطاره العام الذي هو الاقتصاد الإسلامي وتناوله منفرداً يفرغه من الكثير من محتواه ويقطع أواصره ببيئته التي أفرزته .
كذلك فتناول الاقتصاد الإسلامي قبل تقديم نموذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي يحفظ التواصل الفكري والارتباط المذهبي بين النموذج وإطاره المرجعي ويعتقد الكثيرون أن عمليات الإنماء والتطوير والإحداث التي تعتري المجتمعات البشرية حيثما وجدت وأينما كانت هي عمليات حديثة ولا ترتبط إلا بفترات زمنية متأخرة والواقع أن هذا الاعتقاد هو وهم محض فالإنماء والتطوير هو سمة أساسية من سمات المجتمعات البشرية وخصَّية من خصيَّلتها مصاحبة لها منذ نشأتها الأولى وإلّا لما وصل المجتمع البشري في عمومه وإجماله إلى ما هو عليه الآن ولقد كثر الحديث خلال النصف الثاني من القرن العشرين عن عمليات الإنماء والتطوير بفعل أكثر من عامل :
أولها : التدمير والخراب الشامل الذي لحق بدول أوربا بسبب الحرب العالمية الثانية ورغبة هذه الدول في إعـادة التعمير جعلها تتلمس كافة السبل والوسائل التي تمكنها من ذلك ومن ثم تقاطرت الدراسات والأبحاث التي ترسم خطط التنفيذ .
ثانيها : أعقب ذلك نهضة أوربية شاملة وفق المناهج التي صاغتها تلك الدراسات ثم وضح التباين الشديد بين دول أوربا التي طبقت تلك المناهج وبين بقية دول العالم التي لم يقدَّر لها اللحاق بالدول الأوربية لأسبـاب عديدة وعندئذ تعالت النداءات التي تدعو إلى ضرورة إنماء وتطوير المجتمعات المختلفة واللحاق بالدول الأوربية أو على الأقل تقريب الهوة فيما بينهما .
ومنذ ذلك التاريخ صارت "التنمية" مادة خصبة للكتابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية ومقرراً دراسياً منهجياً وهدفاً حيوياً استراتيجياً للدول والحكومات تصاغ من أجله الخطط وتُرصد له الأموال والميزانيات وتعددت المناهج والمدارس التي ترسم خطط الإنماء وتضع وصفات التطوير لتلك المجتمعات التي ترزح تحت وطأة الجهل والتخلف وفي حقيقة الأمر وفي غمرة الحماس الطائش والتوق الأخاذ لهدف اللحاق بالمدنية الغربية الجوفاء والمبهرة اختلط الحابل بالنابل ولم يعد أحد يعرف على وجه التحديد والدقة ماذا يعنى التخلف الذي أُعلنت عليه هذه الحرب الشعواء هل هو الفقر وانخفاض مستويات الدخل والصحة والتعليم ؟ أم هو الانحطاط القيمي والتردي الأخلاقي أم هو الطغيان والاستبداد والفساد السياسي والإداري .
وإزاء هذه الوعكة الفكرية والاعتلال العقيدي بات الجميع في حيص بيص أمام دعاوى وآراء لا معارية تصدر عن أناس لهم قيمهم الخاصة وعالمهم الخاص فكيف تُستنبت تلك القيم والآراء الغربية في بيئات غير ملائمـة !! .
وعندئذ كان لابد أمام أبناء الأمة الإسلامية من التوقف ملياً والبحث فيما تملك أمتهم من رصيد ثري ومكنون قيَّم فيهما الغنى عن كل وارد دخيل وفيهما الكفاية عن كل متسلل خبيث .
وهنا آثار المجتهدون من أبناء هذه الأمة تساؤلاً محورياً وخطيراً هل يملك الإسلام فكراً إنمائياً ؟ وهل يطرح بالتالي نموذجاً قابلاً للتطبيق في هذا الشأن ؟
ومنذ أن طُرح ذلك التساؤل والهِمم العالية لم تفتر والعزائم الماضية لم تثبط والجهود الجبّارة لم تهدأ من أجل التنقيب عن ذلك الفكر واستنباط ذلك النموذج من الإسلام العظيم .
ولنعلن بلغة الواثق أننا نملك نموذجاً للإنماء الاقتصادي مستنبطاً من الشريعة الإسلامية يحمل خصائص مميزة تنبع من خصوصية المصدر الذي يجمع بين الكمال والمثالية كما أن ذلك النموذج المتفرد يحدد لوجوده وحركته أهدافاً هي غاية في الاكتمال والتناسق والشمول لكل نواحي الحياة من حضارية وثقافية ومادية وروحية ولقد اعتمد النموذج الإسلامي في الإنماء الاقتصادي جملة من الوسائل والأدوات لتحقيق الأهداف المرصودة ونوَّع أدواته بين الأدوات الحضارية الثقافية والأدوات الاقتصادية المادية والأدوات العقائدية الروحية كما استند ذلك النموذج على أكثر من وسيلة مالية لتمويل أدواته وعملياته الإنمائية : الوسيلة الأولى وهي المهمة وقد جعل لها الأولوية وهي وسيلة التمويل الذاتي والوسيلة الثانية وهي الأقل أهمية وهي وسيلة التمويل الخارجي .
وفي الأخير برزت عبقرية ذلك النموذج عندما فرغ إلى توزيع مقدّرات وثمار عمليات الإنماء حيث اعتمد على أسلوبين يسود بينهما التناسق والتكامل وذلك يوضح أن عمليات توزيع الغنم لا تقل أهمية عن عمليات الحصول عليه .
ولقد خصصنا هذا المؤلف لدراسة وتحليل نموذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي وذلك من خلال الأبواب الخمسة التالية :
الباب الأول : خصائص نموذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي .
الباب الثاني : أهداف نموذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي .
الباب الثالث : أدوات [عمليات] نموذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي .
الباب الرابع :تمويل أدوات [عمليات] نمـوذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي .
الباب الخامس : توزيع مقدّرات وثمار الإنماء الاقتصادي .
حيث أن هذا النموذج مستل أو مستنبط من تلك الموضوعات فهو يرتبط بها ارتباط الجزء بالكل فالإنماء مفردة مهمة وجزئية حيوية في كيان الاقتصاد الإسلامي إذا لم تكن أهم جزئية في ذلك الكيان على الإطلاق .
يرتبط بما تقدم أن تجريد النموذج الإسلامي في الإنماء الاقتصادي من إطاره العام الذي هو الاقتصاد الإسلامي وتناوله منفرداً يفرغه من الكثير من محتواه ويقطع أواصره ببيئته التي أفرزته .
كذلك فتناول الاقتصاد الإسلامي قبل تقديم نموذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي يحفظ التواصل الفكري والارتباط المذهبي بين النموذج وإطاره المرجعي ويعتقد الكثيرون أن عمليات الإنماء والتطوير والإحداث التي تعتري المجتمعات البشرية حيثما وجدت وأينما كانت هي عمليات حديثة ولا ترتبط إلا بفترات زمنية متأخرة والواقع أن هذا الاعتقاد هو وهم محض فالإنماء والتطوير هو سمة أساسية من سمات المجتمعات البشرية وخصَّية من خصيَّلتها مصاحبة لها منذ نشأتها الأولى وإلّا لما وصل المجتمع البشري في عمومه وإجماله إلى ما هو عليه الآن ولقد كثر الحديث خلال النصف الثاني من القرن العشرين عن عمليات الإنماء والتطوير بفعل أكثر من عامل :
أولها : التدمير والخراب الشامل الذي لحق بدول أوربا بسبب الحرب العالمية الثانية ورغبة هذه الدول في إعـادة التعمير جعلها تتلمس كافة السبل والوسائل التي تمكنها من ذلك ومن ثم تقاطرت الدراسات والأبحاث التي ترسم خطط التنفيذ .
ثانيها : أعقب ذلك نهضة أوربية شاملة وفق المناهج التي صاغتها تلك الدراسات ثم وضح التباين الشديد بين دول أوربا التي طبقت تلك المناهج وبين بقية دول العالم التي لم يقدَّر لها اللحاق بالدول الأوربية لأسبـاب عديدة وعندئذ تعالت النداءات التي تدعو إلى ضرورة إنماء وتطوير المجتمعات المختلفة واللحاق بالدول الأوربية أو على الأقل تقريب الهوة فيما بينهما .
ومنذ ذلك التاريخ صارت "التنمية" مادة خصبة للكتابات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإدارية ومقرراً دراسياً منهجياً وهدفاً حيوياً استراتيجياً للدول والحكومات تصاغ من أجله الخطط وتُرصد له الأموال والميزانيات وتعددت المناهج والمدارس التي ترسم خطط الإنماء وتضع وصفات التطوير لتلك المجتمعات التي ترزح تحت وطأة الجهل والتخلف وفي حقيقة الأمر وفي غمرة الحماس الطائش والتوق الأخاذ لهدف اللحاق بالمدنية الغربية الجوفاء والمبهرة اختلط الحابل بالنابل ولم يعد أحد يعرف على وجه التحديد والدقة ماذا يعنى التخلف الذي أُعلنت عليه هذه الحرب الشعواء هل هو الفقر وانخفاض مستويات الدخل والصحة والتعليم ؟ أم هو الانحطاط القيمي والتردي الأخلاقي أم هو الطغيان والاستبداد والفساد السياسي والإداري .
وإزاء هذه الوعكة الفكرية والاعتلال العقيدي بات الجميع في حيص بيص أمام دعاوى وآراء لا معارية تصدر عن أناس لهم قيمهم الخاصة وعالمهم الخاص فكيف تُستنبت تلك القيم والآراء الغربية في بيئات غير ملائمـة !! .
وعندئذ كان لابد أمام أبناء الأمة الإسلامية من التوقف ملياً والبحث فيما تملك أمتهم من رصيد ثري ومكنون قيَّم فيهما الغنى عن كل وارد دخيل وفيهما الكفاية عن كل متسلل خبيث .
وهنا آثار المجتهدون من أبناء هذه الأمة تساؤلاً محورياً وخطيراً هل يملك الإسلام فكراً إنمائياً ؟ وهل يطرح بالتالي نموذجاً قابلاً للتطبيق في هذا الشأن ؟
ومنذ أن طُرح ذلك التساؤل والهِمم العالية لم تفتر والعزائم الماضية لم تثبط والجهود الجبّارة لم تهدأ من أجل التنقيب عن ذلك الفكر واستنباط ذلك النموذج من الإسلام العظيم .
ولنعلن بلغة الواثق أننا نملك نموذجاً للإنماء الاقتصادي مستنبطاً من الشريعة الإسلامية يحمل خصائص مميزة تنبع من خصوصية المصدر الذي يجمع بين الكمال والمثالية كما أن ذلك النموذج المتفرد يحدد لوجوده وحركته أهدافاً هي غاية في الاكتمال والتناسق والشمول لكل نواحي الحياة من حضارية وثقافية ومادية وروحية ولقد اعتمد النموذج الإسلامي في الإنماء الاقتصادي جملة من الوسائل والأدوات لتحقيق الأهداف المرصودة ونوَّع أدواته بين الأدوات الحضارية الثقافية والأدوات الاقتصادية المادية والأدوات العقائدية الروحية كما استند ذلك النموذج على أكثر من وسيلة مالية لتمويل أدواته وعملياته الإنمائية : الوسيلة الأولى وهي المهمة وقد جعل لها الأولوية وهي وسيلة التمويل الذاتي والوسيلة الثانية وهي الأقل أهمية وهي وسيلة التمويل الخارجي .
وفي الأخير برزت عبقرية ذلك النموذج عندما فرغ إلى توزيع مقدّرات وثمار عمليات الإنماء حيث اعتمد على أسلوبين يسود بينهما التناسق والتكامل وذلك يوضح أن عمليات توزيع الغنم لا تقل أهمية عن عمليات الحصول عليه .
ولقد خصصنا هذا المؤلف لدراسة وتحليل نموذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي وذلك من خلال الأبواب الخمسة التالية :
الباب الأول : خصائص نموذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي .
الباب الثاني : أهداف نموذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي .
الباب الثالث : أدوات [عمليات] نموذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي .
الباب الرابع :تمويل أدوات [عمليات] نمـوذج الإسلام في الإنماء الاقتصادي .
الباب الخامس : توزيع مقدّرات وثمار الإنماء الاقتصادي .