انفرد أبو المواهب بميزات قلما حظي بها عالم في عصره، فهو عالم عامل، وقارئ جامع، وفقيه متقن، ومؤلف واسع، وتاجر صادق، نشأ في أسرة تتوفر على طلب العلم وتسعى وكدها إليه، ويرحل أفرادها من أجل الحصول عليه وجمعه وتحصيله. وقد أعطته دمشق المنزلة التي تعطيها لكبار علمائها عادة، وكان هذا دأبها منذ القديم. ومشيخة أبي المواهب هذه صورة توضح لنا ثقافة العصر، وتبيّن المنهاج العلمي الذي يتبعه طالب العلم في تحصيله وتذكر الكتب التي يُقرئها العلماء لطلابهم في مجالسهم العامة والخاصة. ثم إنها تعرفنا بالكتب الوفيرة التي تلقاها أبو المواهب عن شيوخه قراءة فهم وإتقان، وإذ ذاك ندرك مكانة أبي المواهب الذي استطاع أن يجمع ويحصّل ويتقن كل هذه الكتب، ثم يعمل بما فيها، ثم يعلمها للناس، فيخرّج جيلاً من العلماء يتابعون السير على طريق العلم يحملون مشاعله النيّرة الهادية.