الرحمة المهداة عليه الصلاة والسلام مات أبوه قبل أن يولد، فرعته أمه، ولما أصبح طفلًا رحلت أمه عن الدنيا، ثم زادت مرارة يتمه برحيل جده عبدالمطلب وهو فتى.. أخذ الموت أحبته.. فجعه بهم، وترك له الذكريات والدموع. كد وكافح.. رعى الغنم وباع واشترى، وتعامل مع الناس حتى كسوه لقب الأمين. لم يعاقر خمرًا أو يمس صنمًا أو يعرف الخنا، فكان حلم العذارى، لكنهن فوجئن بالأربعينية الطيبة.. خديجة تفوز بقلبه، فرزقهما الله أربع بنات كالزهرات، ولما اقترب من الأربعين واصل رحلة التأمل والأسئلة الكبرى فيما حوله: رحل دون أن يسكن قصرًا، أو يلبس ذهبًا أو حريرًا، أو يبيت ليلة وفي رصيده دينار أو درهم.. مات لم يترك عبدًا أو أمة، لكنه ترك درعه مرهونة عند تاجر يهودي من شعبه مقابل كمية من الشعير طعامًا لعائلته، أما شعبه فتركهم وهم أنظف الشعوب، وأكثرها نظامًا وثقافة.. رحل بعد أن أدخل القلم والكتاب لكل بيت، فجعلهم أول شعب يقتني الكتاب في البيوت.. كتاب الله الذي يثقفهم عقائديًّا وعقليًّا وروحيًّا ونفسيًّا وتربويًّا واجتماعيًّا وصحيًّا وسياسيًّا واقتصاديًّا وعسكريًّا وقضائيًّا.. رحل عليه الصلاة والسلام لكنه لا يزال شمسًا لا تعرف المغيب: توحيدًا وأخلاقًا وعدلاً ورحمة للعالمين. العبيكان للنشر