أصلُ هذا الكتاب من مخطوطات دار الكتب الظاهرية بدمشق، فجُمِعَ وجُلِّد في أوائل هذا القرن، ويُعد إعادة نشر الكتاب إحياء مادةٍ جديدةٍ من تاريخ مصر والشام، وقد صور البلوي في كتابه هذا أحمد بن طولون صورةً جميلة، وخلَع عليه من الثناء ثوبًا فَضفاضًا، وصوَّر ذكاءه وقوة ملاحظته، ورسَم فراسته وسياسته، وعدله ورحمته، وصدقاته ومكارمه، مُعجبًا بكل ما أتاه، عاذرًا له على ما قدَّمت يداه. وقد تربى ابن طولون تربية صالحة، حيث نشأ في أشرف عصور بغداد جنديًّا مطبوعًا على أجمل صفات الجندي الشريف، ولُقِّن في بيته وهو طفلٌ أمورًا أفادته في حياته، وحفِظ القرآن وجوَّده، وفصُح بالعربية فعُدَّ من فُصحاء رجال السياسة بلسانه وقلمه، وأخذ عن المحدِّثين قطعةً صالحة من العلم، ورُزِق صوتًا جميلًا وأتقن الموسيقى، ونَظَم الشعر بالتركية لغة أبيه وأمه.