إن كنت في وحدتك مشغولا بالآخرين وممتلئا بمشاعرك الطيبة تجاههم فأنت لست من الوحيدين، بل أنت في عزلة ناجحة، وهنا نستحضر مقولة جان بول سارتر «"إذا كنت تشعر بالوحدة عندما تكون وحدك، فأنت إذن في صحبة سيئة"، أما إذا لم تكن الصحبة سيئة، فستشعر بمثل ما شعرت به فرجينيا وولف، وهو ما حاولت تحليله في مذكراتها بقولها "إنه شعور سماع العالم الحقيقي، تأخذني إليه الوحدة والصمت". والعزلة قد تبدو سجنا بالنسبة للإنسان العادي، إذ تجسد له الحرمان في أجلى معانيه، أما إذا كان الإنسان المضطر إلى العزلة محبا للقراءة معتادا عليها فسيجد في سجنه متنفسا تتيحه الكتب، أما عزلة المبدع فهي ليست كذلك، تكون فرصة للانفراد بالذات، والحوار معها، وكما قال محمود درويش في "أثر الفراشة": "العزلة هي انتقاء نوع الأَلم، والتدرّب على تصريف أفعال القلب بحريّة العصاميّ"... ما تحويه صفحات – هذا الكتاب - من قراءات تمثل - في أغلبها - بعض ثمار العزلة التي أعتبرها المؤلف ناجحة إلى حد ما، وقد ضمها معا ليكون الحوار مع الذات حوارًا مع الكتب، ثم حديثا إلى القارىء.