إنه الشاهد، دليل القبر، وعلامة انتهاء صاحبه، وتحوله من كيان آدمي إلى ذكرى تحمل حلوها ومرها وعبرتها، هو آخر آثاره المعنوية في دنيا الفناء، قد سطر به تاريخ ولادته، وسجل موعد نهايته: اسمه ولقبه.. يحيطه دعاء أو آية أو حكمة، أو شيء يعبر عن عقيدته، وما كان عليه.. هكذا عرفناه، ورأيناه، واعتدناه. لكنه هنا في كتابنا هذا مختلف تمامًا، فبين براثن الموت وكآبة الوفاة ورحلة الانتها، تبدو قبورنا باسمة تسخر منك شواهدها، كل شيء هنا مختلف، وما حواه كتابنا أشبه بالكلمات الأخيرة لسقراط "469 – 399- ق.م" وهو يراقب الموت الذي يتسلل إلى جسده بعد أن شرب كأس السم: "ويل لرجل سبق عقله زمانه". ولأن هذا الفيلسوف اليوناني مات من أجل ما يؤمن به، وكانت أفكاره تغيظ الذين بيدهم السلطان، فألقوه في السجن، وقالوا له إنه سيموت!! لكنهم تعجبوا عندما قابل النبأ بابتسامة هادئة؛ فعادوا يقولون له ينبغي أن تستعد للموت، ولكنه هز رأسه وظل يبتسم قائلاً: - لقد كنت أستعد طوال حياتي للموت. فسألوه في ذهول: - كيف ؟ فأجابهم :- لم يسبق لي أن ارتكبت خطأ في حق أي إنسان سرًا أو علانية.