كعادته وفي سياق التغريد خارج السرب والخروج عن الصور النمطية التي يتخذها أقرانه في وصف السابقين من الأدباء والشعراء يأتي مبارك على اختيار أشعار الشريف الرضي كموضوعًا لمحاضراته،التي ألقاها طيلة مكوثه في بغداد ما يربو على الخمس شهور باسم الجامعة المصرية في كلية الحقوق في ثلاثينيات القرن العشرين، فما كان لنقاده إلا باعتباره خيار خاطئ لما في شعر المتنبي الإرث الأدبي والعمق الشعري ما يجعله أولى بالاختيار على شعر الشريف الرضي؛ وقد خشي مبارك أن يصاب الجمهور بالملل والضجر بسبب محتوى الموضوع الذي يتحدث برمته عن أشعار الشريف الرضي، ومع ذلك فإن أعداد الحضور كان تزداد المرة تلو الأخرى لتناوله العديد من المواضيع المختلفة منها: حياته وعبقريته وصلته بخلفاء بني العباس وصلته بالوزراء والأمراء والملوك ومقامه بين شعراء القرن الرابع، ونهج البلاغة لديه. تحوي ثنايا الكتاب على تأصيل لقواعد نقدية جديدة خارجة عن مألوف النقاد في عصره، والتي كان قد أسس لها في كتابه السابق "الموازنة بين الشعراء"، واستطاع بحنكته، أثناء فترة مكوثه في بغداد، أن يدحض الانتقادات العارمة التي وُجهت له من القراء البغداديين بسبب كتابه المثير للجدل "الأخلاق عند الغزالي".