كلُّ ما تتضمنه أفكارُ هذا الكتاب يبتني على فهم الدين بوصفه حاجةً وجوديَّة تحمي الإنسان من الاغتراب الميتافيزيقي. ويتأسس على تعريف للدين بوصفه حياةً في أُفق المعنى، تفرضُه حاجةُ الإنسان الوجودية لإنتاجِ معنىً روحي وأخلاقي وجمالي لحياتِه الفردية والمجتمعية. أكثرُ مشكلاتنا تكمنُ في تمدّدِ وتضخّمِ هذه الحاجة وإهدارِها لغيرها من الحاجات الأخرى، وابتلاعها لكلِّ شيء في حياة الناس في مجتمعاتنا. كثيرٌ من مشكلات عالَم الإسلام تعود إلى الإخفاق في التعرُّف على الحقلِ الحقيقي للدين، وحدودِ مهمته في حياة الإنسان، وما نتج عن ذلك من هيمنةِ الدين على حقول الحياة الأخرى، والإخلالِ بوظيفة العقل والعلم والمعرفة، وإهمالِ قيمة تراكم الخبرة البشرية وأثرها في البناء والتنمية. لم يمنح الله حقًا خاصًا لأحد يحتكرُ تمثيلَه في الأرض، وأنه وحدُه المخوّل الحصري للتحدّث باسمه، والمسموح له أن يطاردَ الناس باسم الله، وينتهك كراماتهم، ويهدر حقوقهم وحرياتهم، باسم الدفاع عن الله، "فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ"، وقد خلق اللهُ الناسَ أحرارًا، والحريةُ ضرورةٌ دينية يفرضها انبعاثُ حياة روحية وأخلاقية وجمالية صادقة لا يلوّثها نفاق، الحريةُ شرطٌ لكلِّ تديّن حرّ.