عندما يكتب أديب أو مفكر مذكراته أو سيرته الذاتية، فهو يتأمل ويفكر ويختار مناطق بعينها ليعرضها للقاريء ويحذف أخرى، ويخرج المنتج العام في صورة قصة متماسكة موجَّهة بحسب رؤية الكاتب في وقت الكتابة، لكن اليوميات تختلف عن ذلك، فهي تدوين لأحداث وأفكار وهواجس اليوم، سواء كانت هامة أم غير كذلك، إنها بمثابة كاميرا ترصد ما يحدث على المستوى الخارجي والداخلي دون تمييز، وإن كان المنتج قد يبدو فوضويًا، أو يتسم بالإسهاب أو بذكر تفاصيل غير مهمة، لكنه في الوقت ذاته يكون بمثابة مجهر حقيقي على ما يحدث داخل تكوين هذه الشخصية، فكافة التفاصيل الصغيرة هي ما شكَّلت شخصية صاحبها، وقد تم تدوينها دون تمييز أو تفكير، خاصة أن صاحبها لم يكن يكتبها بهدف النشر، لذا قد يصبح عيب هذا المنتج من حيث فوضويته وعدم اتساقه في بعض الأحيان، هو عين ميزته من حيث تقديمه لصورة حقيقية بالغة الصدق. لكن الأمر يتطلب من القاريء صبرًا وتأملا في أصغر التفاصيل حتى يدرك كيف تشكلت هذه الشخصية.