«الحب مبدأنا، والنظام قاعدتنا، والتقدم غايتنا» هو شعار المذهب الوضعي لأوجست كونت، وهو كذلك الشعار الذي وضعه على قبره. من الفلاسفة مَن نستطيع دراسة آرائهم ومبادئهم من دون الحاجة إلى دراسة تاريخ حياتهم بالتفصيل، ولكن كونت ليس من هؤلاء، فإن تاريخ حياته يلقي ضوءًا شديدًا على فلسفته. وما المذهب الوضعي الذي يدل على شغفه بالدراسة الموضوعية وكراهيته للجدل الميتافيزيقي الذي لا يقوم على أساس ثابت إلا نتيجة لدراساته الرياضية في مدرسة الهندسة الحربية. وقد أكسبته هذه الدراسة عقلية علمية لا تخضع إلا لما تثبته المشاهدة والتجربة. لقد كان الإصلاح غاية لفلسفة كونت، لأنه رأى ضرورة ربط الفلسفة بالحياة حتى يمكن إصلاح المجتمع. اقتنع كونت بأنه وضع العلم الأخير الذي يعد تاجًا لجميع العلوم عندما اهتدى إلى القانون الذي يخضع له تفكير الإنسانية في تطوره. وهذا العلم الأخير هو علم الاجتماع الذي يرجع الفضل في إنشائه إلى كونت من دون ريب. وقد فطن كونت إلى طبيعة المنهج العلمي الصحيح واهتدى إلى تحديد مراحله، وهي: مرحلة البحث ومرحلة الفرض ومرحلة البرهنة على صدق الفروض. مؤلف هذا الكتاب الذي بين أيدينا هو ليفي بريل، أحد أتباع كونت، ويعد كتابه هذا خيرة ما كُتب عن كونت وفلسفته وتأسيسه لعلم الاجتماع، ويوضِّح أصالة كونت في بحث الظواهر الاجتماعية. بل هذا الكتاب يعد المصدر الأساسي الأول الذي يلقي ضوءًا مفعمًا على أصول كثير من نظريات المدرسة الفرنسية في علم الاجتماع. إنه كتاب لا غنى عنه لقارئ أوجست كونت وفلسفته، ولعلم الاجتماع.