رواية "الحاج مراد" للكاتب الروسي ليو تولستوي ليست من مؤلفاته الضخمة الواسعة الآفاق الحافلة بمختلف الشخصيات، ولا من طرقه الفنية الذائعة الصيت التي رفعت من قدر الأدب الروسي مثل «الحرب والسلام» و«أنا كارنينا» و«البعث» ولكنها مع ذلك على إيجازها تعد من الناحية الفنية من أنضج مؤلفاته وأكثرها استيفاء لشرائط الفن وأقربها إلى الكمال، وتتجلى فيها قدرة تولستوي المعجزة على السرد السهل المتدفق الذي يبلغ غايته من اأقرب الطرق، وأيسرها وبراعته في تصوير المشاهد، وخصائص الشخصيات بلمسات سريعة بسيطة وإشارات موحية نفاذة، وهو يبدأ في وصف الشخصيات بإبراز الخصائص البدنية والملامح البادية الدالة على نوع الشخصية، ويتبع ذلك بالحديث عن الصفات الروحية، والمزايا ذلك بالحديث عن الصفات الروحية، والمزايا النفسية، والسمات الأخلاقية، فتتكشف لك حقيقة الشخصيات التي تقرأ عنها، وتتمثل لخيالك، وتكاد تقع عليها عينيك، وتلمسها يدك، ولا ترى بأسًا في إلحاقها بسجل من عاشرت من الناس وبلوت أخلاقهم وعرفت طبائعهم. وهذه الرواية القصيرة من آثاره الأدبية التي طبعت بعد موته، وقد أتم كتابتها وهو في الرابعة بعد السبعين من عمره.