أين أنا؟ فيم أُفكر؟ وماذا أسمع؟ إنَّ من حولي لأصواتًا لا أتميَّزها، أو لا أتميَّز منها إلا قليلًا، وإني لأجدُ هذا الشعور الغريب الذي يُخيِّل إليَّ أني في النوم، ويدعوني إلى الراحة، ويخيِّل إليَّ في الوقت نفسه أني مع الناس، وأن من الحق عليَّ أن أتخذ هيئة الرجل الاجتماعي، لا أكاد أتميز أصوات قوم يتحدثون من حولي؛ فيهم زَوْجي وابناي وجماعة من الأصدقاء، وما أشكُّ في أنهم يذكرون القاهرة وأحداثها في الأسابيع الأخيرة، أمَّا أنا فقد امتلأت نفسي بجملة واحدة تردَّدت عليَّ كثيرًا أمس، وترددت عليَّ كثيرًا صباح اليوم، وهي «إلى اللقاء»، سمعتها أمس ممن زُرته أو زارني مودعًا، وسمعتها اليوم من هؤلاء الأصدقاء الكثيرين الذين أبوا إلا أن يتكلفوا الغُدُوَّ مع الطير؛ ليصافحوني قبل أن أركب القطار. طه حسين