زعموا أن «لامرتين» دعا إليه الكاتب الفرنسي المشهور «فلوبير» عندما نشر قصته «مدام بوفاري»، فلامه لأنه أبكاه بهذه القصة، وكل إنسان يشعر ويفكر ويحسن الشعور والتفكير يستطيع أن يصنع مع كاتب هذه القصة التي نتحدث عنها اليوم ما صنعه «لامرتين» مع «فلوبير»، فيلومه لأنه أبكاه. وكذلك نحن، فطرنا ضعافًا، نؤْثر الغفلة والغرور والجهل والانخداع على أن نعلم بالحقائق كما هي، وننظر إليها مجردة في صورها الصحيحة الصادقة. نحن ضعاف نكره العلم ونخشاه؛ لأننا أضعف من أن نحتمله. ونؤثر الظلمة ونهواها؛ لأن أبصارنا أضعف من أن تثبت للضوء. ونحب أن نظل مخدوعين لأن ظهورنا على الحق يوئسنا ويثنينا عن العمل ويزهدنا في الحياة، وربما بغَّضها إلينا. ومن يدري! لعل الخير كل الخير في أن نكون جاهلين مخدوعين، فلولا الجهل والانخداع ما عمل الناس ولا أمَّلوا ولا أحبوا. وأي شيءٍ هي الحياة وما فيها من عظيم لولا العمل والأمل والحب! لعل الخير كل الخير في أن نجهل أنفسنا، وفي أن نجهل هذه القوانين التي تسيطر عليها. طه حسين