لما أنشئت بغداد وأصبحت حاضرة الخلافة ومقر الحكم، أقبل الناس على سكناها، وامتد إليها العمران، فغدت في سنوات قليلة واسعة الأرجاء، جميلة البناء، زاهرة بقصورها ومساجدها وحدائقها ومرافقها، وجذبت إليها أهل العلم والفضل وذوي الأدب والمعرفة، يلقون في كنفها كل تقدير وإجلال، ويجدون من خلفائها ووزرائها وأعيانها كل عون وتشجيع، فامتلأت المساجد بحلقات الفقه والحديث واللغة والأدب وعلم الكلام، وازدهرت حلقات الجدل والمناظرة، واحتشد ببغداد أئمة العلم، ونوابغ الأدب، وجهابذة الفقه، وأعلام الحديث، وكبار الشعراء، وعباقرة الموسيقى والغناء، وتحولت بغداد إلى جامعة كبرى تظل هؤلاء جميعًا. وكان ابن قتيبة واحدًا ممن ازدانت بهم حلقات العلم ببغداد... يعدُّ ابن قتيبة من النماذج المشهود لها بمكانتها الأدبية والتاريخية في ذلك العصر، كما أنه أحد فقهاء الدين المُلمين بعلوم الفقه وتفسير الحديث المختلفة، وقد مدحه ابن النديم قائلاً عنه: "هو عالم باللغة والنحو وغريب القرآن ومعانيه والشعر والفقه وكثير التصنيف والتأليف". سنتعرَّف في هذا الكتاب على ابن قتيبة عن قرب؛ مولده ونشأته، شهرته وعمله، أهم مؤلفاته وخصائصها والأثر الذي تركه خلفه.
Dieser Download kann aus rechtlichen Gründen nur mit Rechnungsadresse in A, D ausgeliefert werden.