لمَّا كانت الدولة شخصية المجتمع الواعية؛ فقد أصبحت مهامُّها مهام المجتمع نفسها، وبناءً على ذلك فإن مهمَّة الدولة الأولى أن تأخذ بأيدي المواطنين فترفع بهم إلى مستوى الحرية، بحيث يتسنَّى لهم أن يشتركوا عن وعي في المصير العام، كما يسمو المجتمع بأعضائه على موج المشاعر التي تفيض من التجاوب الرحماني بينهم إلى ينبوع المكارم، سُموًّا يُصبح فيه كلٌّ من مواقفهم المبدعة لُحمةً في نسيج الحضارة. وإذا ما تدفَّقت المشاعر في الوجدان انجرفت بفيضها الحدود المرسومة من الأنانية أو بتأثير العادة، في جو كهذا ينعم الجميع بالحب والفضيلة، بموقف يُشرف منه المرء على المصير كما أشارت إلى ذلك كلمة «حب» المتضمِّنة معنى الاعتلاء، بموقف تفيض منه الحياة كما أشارت إلى ذلك كلمة «فضيلة» المشتقة من الفيض. ومهمَّة الدولة الثانية هي أن تُنظِّم المجتمع تنظيمًا يتمكَّن به كلٌّ من المواطنين من أن يجعل الانسجام تامًّا بين حاجاته وبين حقوق الآخرين. إن الدولة حارس للنظام، ومراقب على توزيع المصالح بين الناس. ولمَّا كان المجتمع ذا نظام رتيب، وكانت كلٌّ من مراتب وظائفه تطلب مستوًى معيَّنًا من الاستعدادات والمواهب؛ فقد أصبح مبدأ تكافئ الفرص بين المواطنين أسَّ القواعد في إعداد ذوي الأهلية للقيام بالمهام المختلفة للدولة.